Home/استمتع/Article

أغسطس 05, 2024 117 0 شون هامبسي, Australia
استمتع

فن الموت

ليس من السهل التنبؤ بما إذا كنت ستكون ناجحًا أو ثريًا أو مشهورًا، ولكن هناك شيء واحد مؤكد– الموت في انتظارك في النهاية.

أُقضي جزءًا لا بأس به من وقتي هذه الأيام في ممارسة فن الموت. يجب أن أقول، أنا أستمتع بكل لحظة من هذا التمرين، على الأقل منذ أن أدركتُ أنني دخلتُ النهاية الثقيلة لمقاييس الزمن.

لقد تجاوزتُ السبعين عامًا، بشكل جيد وحقيقي، ولذلك بدأت أفكر بجديّة: ما هي الاستعدادات الإيجابية التي قمتُ بها لمواجهة حتميّة وفاتي؟ كم هي الحياة التي أعيشها غير قابلة للصدأ؟ هل حياتي خالية قدر الإمكان من الخطيئة، خاصة خطايا الجسد؟ هل هدفي النهائي هو إنقاذ روحي الخالدة من الخطيئة الأبدية؟

الله، في رحمته، وقد سمح لي بـ “وقت اضافي” في هذه اللعبة من الحياة، حتّى أتمكّن من ترتيب شؤوني (وخاصة الشؤون الروحية)أتجاوز القمة وأدخل في ظلال وادي الموت. كان لدي ما يزيد عن عمري لحل هذه الأمور، ولكن مثل كثيرين، أهملتُ أهم الأشياء في الحياة، مفضلاً البحث بحماقة عن المزيد من الثروة والأمن والإشباع الفوري. لا أستطيع أن أقول إنني على وشك النجاح في مساعيَّ التي أمارسها، حيث لا تزال تشتتات الحياة تزعجني، على الرغم من تقدمي في السن. هذا الصّراع المستمر مُزعج للغاية ومُعذّب للغاية، ولكن عندما لا يزال من الممكن إغراء المرء، فإن مثل هذه المشاعر الضائعة غير مجدية.

الهروب من الذي لا مفر منه

على الرُغم من تربيتي الكاثوليكية وحثّها على الاحتضان والتطلع إلى الخبطة الحتمية على كتف “ملاك الموت” الإلهي، لا أزال أتوقّع تلك الرسالة من الملك تهنئني على الوصول إلى “الصفر الكبير”. بالطبع، مثل الكثيرين من فئتي العمرية، أتواصل لكي أتجنّب ما لا مفر منه من خلال تبنّي أي حافز للمساعدة في إطالة وجودي الأرضي بالأدوية أو النظافة أو النظام الغذائي أو بأي وسيلة ممكنة.

الموت أمر لا مفرّ منه للجميع، حتى بالنسبة لل “بابا”، عمتنا المحبوبة بياتريس، والملوك. لكن كُلما طالت مُدّة هروبنا مما لا مفر منه؛ كُلّما ظهر بصيص الأمل هذا في نفوسنا-بحيثُ يمكننا دفع الظرف، ووضع نفحة أخرى من التنفس في ذلك البالون، وتمديده إلى أقصى حدوده الخارجية. أفترض، بطريقة ما، أن هذا قد يكون هو الحل لتمديد تاريخ الوفاة بنجاح – تلك الإيجابية، تلك المقاومة للخلود. لطالما فكرتُ، إذا كان بإمكاني تجنُّب الضرائب غير المبررة بأي وسيلة، فلماذا لا أحاول تجنُّب اليقين الآخر، الموت؟

يُشير القديس أوغسطينوس إلى الموت على أنه: “الديْن الذي يجب دفعه.” ويُضيف المطران أنتوني فيشر: “عندما يتعلق الأمر بالموت، فإن الحداثة هي تهرب ضريبي، وكذلك ثقافتنا الحالية في إنكار الشيخوخة والضعف والموت.”

ينطبق الشيء نفسه على صالات اللياقة البدنية. أحصيت الأسبوع الماضي فقط، خمس مؤسسات من هذا القبيل في مجتمعنا الصغير نسبيًا، في الضاحية الغربية الخارجية لسيدني. هذه الرغبة الجونونيّة  في التمتع باللياقة والصحة هي في حد

ذاتها نبيلة وجديرة بالثناء، بشرط ألا نأخذها على محمل الجد لأنها قد تؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا على حسابها. وأحيانًا، يمكن أن تؤدي إلى النرجسيّة. يجب أن نكون واثقين من قدرتنا ومواهبنا ولكن نضع في اعتبارنا فضيلة التواضع التي تبقينا على أرض الواقع، حتى لا نتجول بعيدًا عن إرشادات الله للحياة الطبيعية.

إلى أقصى درجة

حتى أننا نحاول ترويض الشيخوخة والموت، بحيث يحدثان وفقًا لشروطنا الخاصة من خلال التجاوزات التجميلية والطبية، أو الحفظ بالتبريد، أو سرقة الأعضاء بشكل غير قانوني من أجل زرعها، أو الطريقة الأكثر شيطانية لمحاولة التغلب على الموت الطبيعي عن طريق القتل الرحيم… كما لو كان هناك ليس هناك ما يكفي من الحوادث المؤسفة التي تأخذ حياتنا قبل الأوان.

ومع ذلك، يخشى معظم الناس فكرة الموت. يمكن أن يكون الأمر مُشّلاً ومحيرًا ومحبطًا، لأنه سيكون نهاية حياتنا الأرضية، ولكن الأمر يتطلب ببساطة حبة خردل من الإيمان لتغيير كل مشاعر “نهاية العالم” وفتح آفاق جديدة تمامًا من الأمل. والفرح والترقّب الممتع والسعادة.

مع الإيمان في الآخرة مع الله وكل ما ينطوي عليه، والموت هو ببساطة الباب الضروري الذي يجب أن يُفتح لنا للمشاركة في كل وعود السماء. يا له من ضمان، من إلهنا القدير، أنه من خلال الإيمان بابنه يسوع وعيش حياة بناء على تعليماته، تأتي الحياة بعد الموت-حياة على أكمل وجه. ولذا يمكننا أن نطرح السؤال بثقة: “يا موت أين نصرك، أيها الموت أين شوكتك؟” (١ كورنثوس ١٥: ٥٨)

القليل من الإيمان

عند دخول المجهول الكبير، من المتوقع حدوث خوف، ولكن على عكس هاملت في مسرحية شكسبير، الذي قال: “الموت هو البلد غير المكتشف الذي لا يعود مسافر من مولده”، نحن الذين وهبنا هبة الإيمان، لقد أظهرنا لنا دليل على أن بعض النفوس قد عادت من أحشاء الموت لتشهد على ذلك الضلال.

التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية يُعلّم أن الموت هو نتيجة الخطيئة. إن التعليم الكنسي، باعتباره المفسر الحقيقي لتأكيدات الكتاب المقدس والتقليد، يُعلم أن الموت دخل إلى العالم بسبب خطيئة الإنسان. “على الرّغم من أن طبيعة الإنسان مميتة، إلا أن الله قد قدر له ألا يموت. لذلك كان الموت مخالفًا لخطط الله الخالق ودخل العالم نتيجةً للخطيئة.” كتاب الحكمة يؤكد هذا. “الله لم يصنع الموت، ولا يسعد بموت الأحياء. لقد خلق كل شيء حتى يستمر في الوجود وكل شيء خلقه نافع وصالح.” (الحكمة ١: ١٣-١٤ ، 1 كورنثوس ١٥: ٢١ ، رومية ٦: ٢١-٢٣)

بدون إيمان حقيقي، يبدو الموت وكأنه إبادة. لذلك، ابحث عن الإيمان لأن هذا هو ما يغير فكرة الموت إلى أمل الحياة. إذا لم يكن الإيمان الذي تمتلكه قويًا بما يكفي للتغلب على الخوف من الموت، فاستعجل لتقوية هذا الإيمان القليل إلى إيمان كامل به الذي هو الحياة، لأنه بعد كل شيء، ما هو على المحكّ هي حياتك الأبدية. لذلك، دعونا لا نترك الأشياء كثيرًا للصدفة.

أتمنى لكم رحلة آمنة، أراكم في الجانب الآخر!

Share:

شون هامبسي

شون هامبسي هو مؤلف ومغني وكاتب أغاني ولديه ١۰ ألبومات و٧ كتب في رصيده. مُتقاعد في سنّ الخامسة والثمانين، وهو متعمّق بشدّة لإيمانه. يعيش شون في نيو ساوث ويلز، أستراليا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Latest Articles