- Latest articles
روما، كاتدرائية القديس بطرس، لقاء البابا…هل يمكن أن تكون الحياة مليئة بأحداث أكثر؟ اكتشفتُ أنه يمكن أن تكون.
حدث تحوّلي إلى الإيمان الكاثوليكي خلال رحلتي إلى روما، حيثُ كنتُ محظوظةً للدراسة لجزءٍ من شهادتي. نظّمت الجامعة الكاثوليكية التي انضممتُ لها عدة لقاءات مع البابا فرانسيس كجزء من الرحلة. في إحدى الليالي، كنتُ جالسةً في كاتدرائية القديس بطرس، أستمع إلى المسبحة الوردية التي تُتلى باللاتينية عبر مكبر الصوت بينما كنتُ أنتظرُ بدء خدمة القداس. على الرغم من أنني لم أفهم اللاتينية في ذلك الوقت، ولا أعرف ما هي المسبحة، إلا أنني تعرّفتُ بطريقةٍ ما على الصلاة. لقد كانت لحظة تعميد باطني دفعتني في النهاية إلى أن أوكل حياتي كلها إلى يسوع من خلال شفاعة مريم. بدأت رحلة التحول هذه التي بلغت ذروتها في معموديتي في الكنيسة الكاثوليكية بعد عام، وقصّة الحب التي تلت ذلك بعد فترة وجيزة.
اكتشاف اللّحظات
لقد وجدتُ نفسي ببطء أبني أُسس علاقتي وأقوم بالاِحتِذَاء بمريم في هذه العملية دون وعي. ركعتُ عند قدميه في الصلاة كما فعلت مريم في الجُلجُلة، أسعى لتعميق علاقتي بالمسيح. أواصل هذه الممارسة اليوم، وأنا أدرس وجهه وجروحه وضعفه ومعاناته. والأكثر أهميّة، هو أنني ألتقي به كل يوم لمواساته لأنني لا أستطيع تحمّل فكرة كونه وحيدًا على الصليب. من خلال التأمل في آلامه، أجد أنني أستطيع أن أُقدّر بعمق أهمية المسيح الحيّ، الذي يعيش فينا اليوم.
عندما كرّستُ نفسي لهذه الممارسة، شعرتُ أن يسوع ينتظرني في صلواتي اليومية، ويتوق إلى إخلاصي، ويسعى إلى رفقتي. كلما حملتهُ في صلاة صامتة، كلما بدأتُ أشعرُ بحزن عميق وأسى على الثمن الذي دفعه يسوع لحياتي وحياة الآخرين. لقد ذرفتُ الدموع من أجله. لقد سجنتهُ في قلبي وواسيته من خلال الصلاة، مما يعكس رعاية مريم الرقيقة لابنها. إن إدراك المحبة المضحيّة التي قادت يسوع إلى الصليب أثارت مشاعر أمومية عميقة بداخلي، مما أجبرني على تسليم كل شيء له. بفضل نعمة السيدة العذراء، قدّمتُ نفسي تمامًا ليسوع، وسمحتُ له بتحويلي بينما ازدهرت علاقتنا.
التضحية
عندما عانيت من خسارة كبيرة قبل عامين، واصلت هذه الممارسة اليومية، على الرغم من أن تركيز حزني قد تحول. الدموع التي أذرفها لم تعد له بل لنفسي. لم أكن أستطيع أن أفعل شيئًا سوى السقوط عند قدميّ ربنا في محنتي ويأسي المطلقتين، على الرغم من أنني شعرت بالأنانية. عندها أظهر لي الله كيف يمكن مشاركة المعاناة الفدائية ليس فقط من خلال مشاهدة تضحيته في الصلاة، ولكن من خلال الدخول في آلامه.
فجأةً، لم تعد معاناته خارجية بالنسبة لي، بل كانت شيئًا حميميًا لدرجة أنني أصبحتُ شخصًا واحدًا مع المسيح على الصليب. لم أعد وحدي في معاناتي. في المقابل، كان هو الذي حملني في صلاة صامتة، هو الذي حزن عليّ وشارك حزني. لقد ذرف الدّموع من أجلي وفتح قلبه حيث التجأت وأصبحتُ سجينةً له. كنت أسيرةً في حبه.
السير على الطريق الصعب
إن الاِحتِذَاء بمريم يقودنا مباشرةً إلى قلب يسوع، يعلمنا جوهر التوبة الحقيقية والرحمة اللامحدودة التي تنبع من محبته. قد تكون هذه الرحلة صعبة، وتتطلب منا المشاركة في أعباء صليب المسيح. ومع ذلك، من خلال تجاربنا وأحزاننا، يمكننا أن نجد العزاء في حضوره المريح، مع العلم أنه لا يتخلى عنا أبدًا. باتباع مثال مريم، ندعوها لإرشادنا في تعميق علاقتنا مع يسوع، ربنا ومخلصنا، والمشاركة في معاناته الفدائية. من خلال القيام بذلك، نصبح شهداء أحياء لآلام ومعاناة أولئك الذين لم يلتقوا بالمسيح بعد، وفي نفس العملية، نُشفى نحن أنفسنا.
عندما نقتضي بمحبة مريم الأمومية لابنها، فإننا نقترب من جوهر آلامه ونصبح أوعية لنعمته الشافية. من خلال تقديم آلامنا الخاصة بالاتحاد مع المسيح، نُصبح شهودًا أحياء لمحبته ورحمته، ونجلب العزاء لأولئك الذين لم يقابلوه بعد. في هذه العملية المقدسة، نجد الشفاء لأنفسنا ونصبح أدوات لرحمة الله، وننشر نوره إلى المحتاجين. وبالمثل، نتعلم تقبّل الصلبان في حياتنا بشجاعة، مع العلم أنها مسارات لاتحاد أعمق مع المسيح.
من خلال شفاعة مريم، نسترشد نحو فهم عميق للمحبة المضحيّة التي دفعت يسوع إلى بذل حياته من أجلنا. بينما نسير في طريق التلمذة، نسير على خطى مريم، نحن مدعوون لتقديم آلامنا ونضالاتنا ليسوع، واثقين في قوته التحويلية لتحقيق الشفاء والفداء في حياتنا.
ليس من السهل التنبؤ بما إذا كنت ستكون ناجحًا أو ثريًا أو مشهورًا، ولكن هناك شيء واحد مؤكد– الموت في انتظارك في النهاية.
أُقضي جزءًا لا بأس به من وقتي هذه الأيام في ممارسة فن الموت. يجب أن أقول، أنا أستمتع بكل لحظة من هذا التمرين، على الأقل منذ أن أدركتُ أنني دخلتُ النهاية الثقيلة لمقاييس الزمن.
لقد تجاوزتُ السبعين عامًا، بشكل جيد وحقيقي، ولذلك بدأت أفكر بجديّة: ما هي الاستعدادات الإيجابية التي قمتُ بها لمواجهة حتميّة وفاتي؟ كم هي الحياة التي أعيشها غير قابلة للصدأ؟ هل حياتي خالية قدر الإمكان من الخطيئة، خاصة خطايا الجسد؟ هل هدفي النهائي هو إنقاذ روحي الخالدة من الخطيئة الأبدية؟
الله، في رحمته، وقد سمح لي بـ “وقت اضافي” في هذه اللعبة من الحياة، حتّى أتمكّن من ترتيب شؤوني (وخاصة الشؤون الروحية)أتجاوز القمة وأدخل في ظلال وادي الموت. كان لدي ما يزيد عن عمري لحل هذه الأمور، ولكن مثل كثيرين، أهملتُ أهم الأشياء في الحياة، مفضلاً البحث بحماقة عن المزيد من الثروة والأمن والإشباع الفوري. لا أستطيع أن أقول إنني على وشك النجاح في مساعيَّ التي أمارسها، حيث لا تزال تشتتات الحياة تزعجني، على الرغم من تقدمي في السن. هذا الصّراع المستمر مُزعج للغاية ومُعذّب للغاية، ولكن عندما لا يزال من الممكن إغراء المرء، فإن مثل هذه المشاعر الضائعة غير مجدية.
الهروب من الذي لا مفر منه
على الرُغم من تربيتي الكاثوليكية وحثّها على الاحتضان والتطلع إلى الخبطة الحتمية على كتف “ملاك الموت” الإلهي، لا أزال أتوقّع تلك الرسالة من الملك تهنئني على الوصول إلى “الصفر الكبير”. بالطبع، مثل الكثيرين من فئتي العمرية، أتواصل لكي أتجنّب ما لا مفر منه من خلال تبنّي أي حافز للمساعدة في إطالة وجودي الأرضي بالأدوية أو النظافة أو النظام الغذائي أو بأي وسيلة ممكنة.
الموت أمر لا مفرّ منه للجميع، حتى بالنسبة لل “بابا”، عمتنا المحبوبة بياتريس، والملوك. لكن كُلما طالت مُدّة هروبنا مما لا مفر منه؛ كُلّما ظهر بصيص الأمل هذا في نفوسنا-بحيثُ يمكننا دفع الظرف، ووضع نفحة أخرى من التنفس في ذلك البالون، وتمديده إلى أقصى حدوده الخارجية. أفترض، بطريقة ما، أن هذا قد يكون هو الحل لتمديد تاريخ الوفاة بنجاح – تلك الإيجابية، تلك المقاومة للخلود. لطالما فكرتُ، إذا كان بإمكاني تجنُّب الضرائب غير المبررة بأي وسيلة، فلماذا لا أحاول تجنُّب اليقين الآخر، الموت؟
يُشير القديس أوغسطينوس إلى الموت على أنه: “الديْن الذي يجب دفعه.” ويُضيف المطران أنتوني فيشر: “عندما يتعلق الأمر بالموت، فإن الحداثة هي تهرب ضريبي، وكذلك ثقافتنا الحالية في إنكار الشيخوخة والضعف والموت.”
ينطبق الشيء نفسه على صالات اللياقة البدنية. أحصيت الأسبوع الماضي فقط، خمس مؤسسات من هذا القبيل في مجتمعنا الصغير نسبيًا، في الضاحية الغربية الخارجية لسيدني. هذه الرغبة الجونونيّة في التمتع باللياقة والصحة هي في حد
ذاتها نبيلة وجديرة بالثناء، بشرط ألا نأخذها على محمل الجد لأنها قد تؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا على حسابها. وأحيانًا، يمكن أن تؤدي إلى النرجسيّة. يجب أن نكون واثقين من قدرتنا ومواهبنا ولكن نضع في اعتبارنا فضيلة التواضع التي تبقينا على أرض الواقع، حتى لا نتجول بعيدًا عن إرشادات الله للحياة الطبيعية.
إلى أقصى درجة
حتى أننا نحاول ترويض الشيخوخة والموت، بحيث يحدثان وفقًا لشروطنا الخاصة من خلال التجاوزات التجميلية والطبية، أو الحفظ بالتبريد، أو سرقة الأعضاء بشكل غير قانوني من أجل زرعها، أو الطريقة الأكثر شيطانية لمحاولة التغلب على الموت الطبيعي عن طريق القتل الرحيم… كما لو كان هناك ليس هناك ما يكفي من الحوادث المؤسفة التي تأخذ حياتنا قبل الأوان.
ومع ذلك، يخشى معظم الناس فكرة الموت. يمكن أن يكون الأمر مُشّلاً ومحيرًا ومحبطًا، لأنه سيكون نهاية حياتنا الأرضية، ولكن الأمر يتطلب ببساطة حبة خردل من الإيمان لتغيير كل مشاعر “نهاية العالم” وفتح آفاق جديدة تمامًا من الأمل. والفرح والترقّب الممتع والسعادة.
مع الإيمان في الآخرة مع الله وكل ما ينطوي عليه، والموت هو ببساطة الباب الضروري الذي يجب أن يُفتح لنا للمشاركة في كل وعود السماء. يا له من ضمان، من إلهنا القدير، أنه من خلال الإيمان بابنه يسوع وعيش حياة بناء على تعليماته، تأتي الحياة بعد الموت-حياة على أكمل وجه. ولذا يمكننا أن نطرح السؤال بثقة: “يا موت أين نصرك، أيها الموت أين شوكتك؟” (١ كورنثوس ١٥: ٥٨)
القليل من الإيمان
عند دخول المجهول الكبير، من المتوقع حدوث خوف، ولكن على عكس هاملت في مسرحية شكسبير، الذي قال: “الموت هو البلد غير المكتشف الذي لا يعود مسافر من مولده”، نحن الذين وهبنا هبة الإيمان، لقد أظهرنا لنا دليل على أن بعض النفوس قد عادت من أحشاء الموت لتشهد على ذلك الضلال.
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية يُعلّم أن الموت هو نتيجة الخطيئة. إن التعليم الكنسي، باعتباره المفسر الحقيقي لتأكيدات الكتاب المقدس والتقليد، يُعلم أن الموت دخل إلى العالم بسبب خطيئة الإنسان. “على الرّغم من أن طبيعة الإنسان مميتة، إلا أن الله قد قدر له ألا يموت. لذلك كان الموت مخالفًا لخطط الله الخالق ودخل العالم نتيجةً للخطيئة.” كتاب الحكمة يؤكد هذا. “الله لم يصنع الموت، ولا يسعد بموت الأحياء. لقد خلق كل شيء حتى يستمر في الوجود وكل شيء خلقه نافع وصالح.” (الحكمة ١: ١٣-١٤ ، 1 كورنثوس ١٥: ٢١ ، رومية ٦: ٢١-٢٣)
بدون إيمان حقيقي، يبدو الموت وكأنه إبادة. لذلك، ابحث عن الإيمان لأن هذا هو ما يغير فكرة الموت إلى أمل الحياة. إذا لم يكن الإيمان الذي تمتلكه قويًا بما يكفي للتغلب على الخوف من الموت، فاستعجل لتقوية هذا الإيمان القليل إلى إيمان كامل به الذي هو الحياة، لأنه بعد كل شيء، ما هو على المحكّ هي حياتك الأبدية. لذلك، دعونا لا نترك الأشياء كثيرًا للصدفة.
أتمنى لكم رحلة آمنة، أراكم في الجانب الآخر!
'شيء ما جعلني أقف ساكنةً في ذلك اليوم…وتغير كل شيء.
كنتُ على وشك أن أبدأ مجموعة المسبحة الوردية دار الرعاية حيث أعمل كممارسة رعاية رعوية عندما لاحظتُ نورمان البالغ من العمر ٩٣ عامًا يجلس في الكنيسة وحده، ويبحث بائسًا. بدت عليه رجفات مرض باركنسون واضحة تمامًا.
انضممتُ إليه وسألتُ كيف حاله. هز كتفيه بطريقة مهزومة، وتمتم بشيء باللغة الإيطالية وبكى تمامًا. كنتُ أعلمُ أنه لم يكن في مكانٍ جيد. كانت لغة الجسد مألوفة جدًا بالنسبة لي. كنتُ قد رأيتُ ذلك في والدي قبل أشهر قليلة من وفاته؛ الإحباط والحزن والوحدة والقلق من “لماذا يجب عليّ مواصلة العيش على هذا النحو،” ألم جسدي واضح من الرأس المجعّد والعينين الزجاجيتين…
أصبحتُ عاطفيّة ولم أستطع التّحدث لبضع لحظات. في صمت، وضعتُ يديّ على كتفيهِ، مؤكّدةً له أنني هناك معه.
عالم جديد كليًا
كان الصّباح وقت الشاي. كنتُ أعلمُ أنه بحلول الوقت الذي يتمكّن فيه من الذهاب إلى غرفة الطعام، كان يغيب عن خدمة تقديم الشاي. لذا عرضتُ أن أُقدّم له كوب. بواسطة لغتي الإيطالية البسيطة، تمكنتُ من تمييز تفضيلاته.
في مطبخ الموظفين القريب، حضّرتُ له كوبًا من الشاي مع الحليب والسكر. حذّرته من أنه حارًا جدًا. ابتسمَ، مُشيرًا إلى أن هكذا يُحبّهُ. قمتُ بتحريك المشروب عدّة مرات لأنني لم أرغب في أن يحترق، وعندما شعر كلانا أن هذه هي درجة الحرارة المناسبة، قدّمتهُ لهُ. بسبب مرضه بالباركنسون، لم يستطع حمل الكأس بثبات. أكدتُ له أنني سأحمل الكأس؛ بيديّ ويده المرتجفة، ارتشف الشاي، مبتسمًا بشكل مُبهج كما لو كان أفضل مشروب احتساهُ في حياته. أنهى كل قطرة من الشاي! وسرعان ما توقف رجفاته، وجلس، بأكثر يقظة. وهتف بابتسامته المتميزة: “غراسياس!” حتى أنه انضم إلى السكان الآخرين الذين سرعان ما توجهوا إلى الكنيسة، وبقى هناك من أجل المسبحة الوردية.
كان مجرّد كوب من الشاي، ومع ذلك كان يعني له بمثابة العالم كلّه؛ ليس فقط لإرواء عطش جسدي ولكن أيضًا لجوعٍ عاطفي!
ذكرى
بينما كنتُ أساعده في شرب كوبه، تذكّرتُ أبي. الأوقات التي استمتع فيها بالوجبات التي تناولناها معًا بدون استعجال، والجلوس معه في مكانه المفضل على الأريكة بينما كان يعاني من آلام السرطان، وأنضمُ إليه في سريره للاستماع إلى موسيقاه المفضلة، ومشاهدة قداسات الشفاء معًا عبر الإنترنت…
ما الذي دفعني للقاء نورمان عند حاجته ذلك الصباح؟ بالتأكيد لم تكن طبيعتي الضعيفة والجسدية. كانت خطتي هي تهيأت الكنيسة بسرعة لأنني تأخرت. كانت لدي مهمة علي إنجازها.
ما الذي جعلني أقف ساكنةً؟ كان يسوع، الذي توّج نعمته ورحمته في قلبي لتلبية احتياجات شخص ما. في تلك اللحظة، أدركتُ عمق تعليم القديس بولس: “فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ”. (غلاطية ٢: ٢٠)
أتساءل عندما أبلغ سن نورمان وأنا أشتاق لكابتشينو، “مع حليب اللوز، نصف قوي، ساخن جدًا،” هل سيعدّهُ لي أحد كوبًا بهذه الرحمة والنعمة أيضًا؟
'هل ستعود حياتي إلى طبيعتها؟ كيف يمكنني ربما مواصلة عملي؟ خلال التفكير في هذه الأمور، برز حل رهيب في رأسي…
كنتُ أجد الحياة مرهقة للغاية. خلال سنتي الخامسة في الكليّة، كان ظهور اضطراب ثنائي القطب يعيق جهودي لإكمال شهادتي في التدريس. لم يكن لدي أي تشخيص في وقتها، ولكن كنت أعاني من الأرق، وبدوتُ مُنهكة ومُهمِلة، مما أعاق احتمالات عملي كمدرّسة. وبما أن لدي ميولًا طبيعية قوية نحو الكمالية، شعرتُ بالخجل الشديد والخوف لدرجة أنني كنت أخذل الجميع. تصاعدت مشاعر الغضب واليأس، والاكتئاب لدي. كان الناس قلقين بشأن تراجعي وحاولوا المساعدة. حتى أنني أُرسلتُ إلى المستشفى بسيارة إسعاف من المدرسة، لكن الأطباء لم يجدوا أي خطأ باستثناء ارتفاع ضغط الدم. صلّيتُ ولكن لم أجد أي مُواساة. حتى قداس عيد الفصح- الزمن المفضّل لدي – لم يكسر الحلقة المفرغة. لماذا لا يساعدني يسوع؟ شعرتُ بالغضب منه. أخيرًا، توقفتُ عن الصلاة.
مع استمرار هذا، يوما بعد يوم، شهرًا بعد شهر، لم أكن أعلم ماذا أفعل. هل ستعود حياتي إلى طبيعتها؟ بدا الأمر غير مُحتمل. ومع اقتراب التخرج، زاد خوفي. التدريس مهنة صعبة مع فترات راحة قليلة، وسوف يحتاج الطلاب لي أن أبقى متزنة العقل أثناء التعامل مع احتياجاتهم المتعددة وتوفير بيئة تعليمية جيّدة. كيف يمكنني القيام بذلك في وضعي الحالي؟ خطر في عقلي حلّ رهيب: “يجب أن تقتلي نفسك” بدلاً من إلقاء تلك الفكرة وإرسالها مباشرة إلى الجحيم حيث تنتمي، تركتها تجلس. بدا الأمر وكأنه إجابة بسيطة ومنطقية لمعضلتي. أردت فقط أن أكون مخدّرة بدلا من التّعرض لهجوم مستمر.
للأسف الشديد، اخترتُ اليأس. لكن، فيما كنتُ أتوقع أن تكون لحظاتي الأخيرة، فكّرتُ في عائلتي وفي الشخص الذي سبق وكنتُ عليه. وبندم حقيقي، رفعتُ رأسي إلى السماء وقلت: “أنا آسفة يا يسوع. آسفة على كل شيء. أعطني فقط ما أستحق.” اعتقدتُ أن هذه ستكون الكلمات الأخيرة التي سأقولها في هذه الحياة. لكن كان لالله خطط أخرى.
الاستماع إلى الإله
كانت والدتي، من خلال العناية الإلهية، تُصلي مسبحة الرحمة الإلهية في تلك اللّحظة بالذات. فجأة، سمعت الكلمات بصوتٍ عالٍ وواضحٍ في قلبها “اذهبي وابحثي عن إلين.” وضعت بطاعةٍ حبات المسبحة جانبًا ووجدتني على أرضية المرآب. فَهِمت بسرعة، وصَرَخت برهبة: “ماذا تفعلين؟!” بينما كانت تسحبني إلى المنزل.
كان والداي حزينين. لا يوجد كتاب قواعد لمثل هذه الأوقات، لكنهم قرروا اصطحابي إلى القدّاس. لقد كُسرتُ تمامًا، وكنتُ بحاجة إلى مُخلّص أكثر من أي وقت مضى. كنتُ أتوق إلى لحظة المجيء إلى يسوع، لكنني كنت مُقتنعًا بأنني آخر شخص في العالم يريد أن يراه. أردتُ أن أُصدّقَ أن يسوع هو راعي وسيأتي وراء خرافه الضّالة، لكن الأمر كان صعبًا لأنه لم يتغير شيء. كنت لا أزال مُنهكة من كراهية الذات الشديدة، ومُجهدة بالظلام. كان تقريبًا مؤلمًا جسديًا.
أثناء إعداد الهدايا، انهرتُ بالبكاء. لم أبكي لفترة طويلة حقًا، لكن بمجرد أن بدأتُ، لم أستطع التوقف. لقد كنتُ في أقصى طاقتي، ولم يكن لدي أي فكرة إلى أين أذهب بعد ذلك. ولكن بينما كنتُ أبكي، ارتفع الثقل ببطء، وشعرتُ بنفسي مغمورة في رحمته الإلهية. لم أكن أستحق ذلك، لكنه أعطاني هبة نفسه، وعرفت أنه أحبني بنفس القدر في أدنى مستوياتي بقدر ما أحبني في أعلى نقاطي.
في السعي وراء الحب
في الأيام التالية، بالكاد تمكنت من مواجهة الله، لكنه استمر في الظهور وملاحقتي في الأشياء الصغيرة. أعدتُ تأسيس التواصل مع يسوع بمعونةٍ من صورة الرحمة الإلهية في غرفة الجلوس لدينا. حاولت التحدث، وكنتُ أشكي في الغالب من النضال ثم شعرت بالسوء حيال ذلك في ضوء الإنقاذ الأخير.
بغرابة، اعتقدتُ أنني أستطيع سماع صوت رقيق يهمس: “هل تعتقدين حقًا أنني سأترككِ تموتين؟ أحبّكِ. لن أتركك أبدًا. أعدكِ ألا أترككِ أبدا. كل شيء يُغفر. ثقي في رحمتي.” أردتُ أن أصدق هذا، لكنني لم أستطع أن أثقَ في أنه كان صحيحًا. كنت أشعرُ بالإحباط عند الجدران التي كنت أقوم ببنائها، لكنني واصلت الحديث مع يسوع: “كيف أتعلم أن أثق بك؟”
فاجأني الجواب. إلى أين تذهب عندما لا تشعر بأي أمل ولكن عليك أن تستمر في العيش؟ عندما تشعر أنك غير محبوب على الإطلاق، فخور جدًا بقبول أي شيء ولكنك ترغب بشدة في أن تكون متواضعًا؟ بعبارات أخرى، أين تريد أن تذهب عندما تريد المصالحة الكاملة مع الآب، الابن، والروح القدس ولكنك خائف جدًا وغير مؤمن بالاستقبال المُحبّ لتجد طريقك إلى المنزل؟ الجواب هو السيدة مريم العذراء المباركة، والدة الإله، وملكة السماء.
بينما كنتُ أتعلّم الثقة، لم تُغضب محاولاتي المحرجة يسوع. كان يناديني لأقترب، لأقترب إلى قلبه المقدّس، من خلال والدته المباركة. لقد وقعت في حبه وإخلاصه.
يمكنني أن أعترف بكل شيء لمريم. على الرغم من أنني كنت أخشى ألا أتمكن من الوفاء بوعدي لأمي الأرضية لأنني، بمفردي، كنتُ لا أزال بالكاد أمتلك إرادة الحياة، إلا أن والدتي ألهمتني لتكريس حياتي لمريم العذراء، واثقةً من أنها ستساعدني في تجاوز هذه المحنة. لم أكن أعلم الكثير عمّا يعنيه ذلك، ولكن كتاب “٣٣ دايز تو مورنين غلوري” (٣٣ يومًا لمجد الصباح) و “كونسولينغ ذا هارت أوف جيزوسس” (تعزية قلب يسوع) تأليف الأب مايكل إي جايتلي، آباء الحبل بلا دنس المريميين (MIC)، ساعداني على الفهم. فالأم المباركة مستعدة دائما لتكون شفيعتنا، ولن ترفض أبدًا طلبًا من ابن يريد العودة إلى يسوع. أثناء مروري بالتكريس، عقدت العزم على عدم محاولة الانتحار مرة أخرى بهذه الكلمات: “مهما حدث، فلن أستسلم. ”
في هذه الأثناء، بدأتُ المشي لمسافات طويلة على الشاطئ بينما تحدثتُ مع الله الآب وتأملتُ في مَثَل الابن الضال. حاولتُ أن أضع نفسي في مكان الابن الضال، لكن الأمر استغرق مني بعض الوقت للاقتراب من الله الآب. أولاً، تخيلتهُ على بعد مسافة منّي، ومن ثم قادم إليّ. وفي يوم آخر، تخيلتهُ يجري نحوي مع أن ذلك جعله يبدو مضحكًا في أعين أصدقائه وجيرانه.
أخيرًا، جاء اليوم الذي استطعتُ فيه تخيّل نفسي بين يديّ الآب، ومن ثمّ يتم الترحيب بي ليس فقط لمنزله بل إلى مقعدي على طاولة العائلة. كما تصورته يسحب كرسي لي، لم أعد امرأة شابة عنيدة ولكن فتاة تبلغ من العمر ١٠ سنوات مع نظارات مضحكة وقصة شعر بوب. عندما قبلتُ حب الآب لي، أصبحتُ مثل طفل صغير مرة أخرى، أعيشُ في الوقت الحاضر وأثق به تمامًا. لقد وقعت في حب الله وبِرّه. لقد أنقذني الراعي الصالح من سجن الخوف والغضب، ويستمر في قيادتي على الطريق الآمن ويحملني عندما أتعثّر.
الآن، أريد أن أشارك قصتي حتى يتمكن الجميع من معرفة فضل الله ومحبته. يتدفق قلبهُ المقدّس بالعطاء الحب والرحمة فقط لأجلك. يريد أن يحبك ببذخ، وأنا أشجعك على الترحيب به دون خوف. لن يتخلّى عنك أو يخذلك. اخطي إلى نوره وعُد للديار.
'في أحلك الوديان وأصعب اللّيالي، سَمِعتْ بليندا صوتًا ظلّ يناديها مرّة أخرى.
تركتنا أمّي عندما كنتُ في الحادية عشرة من عمري. في ذلك الوقت، اعتقدتُ أنها غادرت لأنها لا تُريدني. ولكن في الواقع، بعد سنوات من المعاناة بصمت من خلال سوء المعاملة الزوجية، لم تعد قادرة على الصمود. بقدر ما أرادت أن تُنقذنا، كان والدي قد هدد بقتلها إذا أخذتنا معها. لقد كان الأمر أكثر من اللازم لتقبله في مثل هذه السن المبكرة، وبينما كنتُ أسعى جاهدًا للتغلب على هذا الوقت العصيب، بدأ والدي في دائرة من الإساءة التي ستطاردني لسنوات قادمة.
الوديان والتلال
لتخدير الألم من سوء معاملة والدي والتعويض عن الشعور بالوحدة من التخلي من والدتي، بدأتُ اللّجوء إلى جميع أنواع تقنيات “التعافي”. وعندما لم أستطع تحمل الإساءة بعد الآن، هربتُ مع تشارلز، صديقي من المدرسة. تواصلتُ من جديد مع والدتي خلال هذا الوقت، وسكنتُ معها ومع زوجها الجديد لفترة من الوقت.
في ١٧من العمر، تزوجتُ تشارلز. كان لعائلته تاريخ من السجن، وسُرعان ما تبعها هو أيضًا. لقد استمريتُ في الخروج مع نفس المجموعة من الأشخاص، وفي النهاية، سقطتُ أنا أيضًا في الجريمة. في ١٩ من العمر، حُكم عليَّ بالسجنِ لأول مرة؛ خمس سنوات بتهمة الاعتداء المُشدّد.
شعرتُ بالوحدة في السّجن أكثر مما كنت عليه في حياتي. كلُّ من كان من المفترض أن يُحبني ويحتضنني قد تخلى عني، استخدمني، وأساء إلي. أتذكرُ أنني استسلمتُ، حتّى أنني حاولتُ إنهاء حياتي. لفترة طويلة، واصلت الهبوط إلى الأسفل حتى التقيتُ “شارون” و”جويس”. لقد ضحوا بحياتهم للرّب. على الرغم من أنه لم يكن لدي أي فكرة عن يسوع، اعتقدتُ أنني سأجربها لأنني لم يكن لدي أي شيء آخر. هناك، محاصرةً داخل تلك الجُدران، بدأتُ حياةً جديدةً مع المسيح.
السقوط، الارتفاع، التعلّم…
بعد حوالي عام ونصف من عقوبتي، تقدّمتُ بطلب الإفراج المشروط. بطريقةٍ ما، كنتُ أعلمُ في قلبي أنني سأحصل على الافراج المشروط لأنني كنت أعيشُ من أجل يسوع. شعرتُ كأنني كنتُ أقوم بكل الأشياء الصحيحة، لذلك عندما جاء الرّفض مع بداية العام، لم أفهم. بدأتُ استجواب الله وكنتُ غاضبتًا جدًا.
في هذا الوقت تم نقلي إلى إصلاحية أخرى. في نهاية خدمات الكنيسة، عندما مد القسيس يدهُ للمصافحة، تراجعتُ وانسحبتُ. لقد كان رجلاً مليئًا بالروح، وقد أظهر له الروح القدس أنني قد تأذيت. وفي صباح اليوم التالي، طلبَ رؤيتي. هناك في مكتبهِ، كما سأل عمّا حدث لي وكيف كنت أتألم، فتحتُ قلبي وشاركت لأول مرة في حياتي.
أخيرًا، بعد خروجي من السجن وفي مركز إعادة التأهيل الخاص، بدأتُ العمل وكنتُ أتمسكُ بحياتي الجديدة ببطء عندما التقيتُ بـ “ستيفن”. بدأتُ بالخروج معهُ، وأصبحتُ حامل. أذكرُ كمْ كنتُ متحمسةً لذلك. كما أنه أراد أن يكون الأمر صائب، فتزوجنا وكوّننا عائلة. كان ذلك بمثابة بداية أسوء ١٧سنة من حياتي، والتي تميّزت بالإيذاء الجسدي والخيانة والتأثير المستمر للمخدرات والجِرِم.
حتّى أنه كان يريد أن يقدم على إيذاء أطفالنا، ما جعلني في حالة من الغضب الشديد؛ كنتُ أرغبُ في إطلاق النار عليه. في تلك اللحظة، سمعتُ هذه الآيات: “لي الانتقام، وأنا أُجازي.” (روما ١٢: ١٩) و”سيقاتل الرّب من أجلك” (خروج ١٤: ١)، وهذا ما دفعني إلى تركه يذهب.
أبدًا مُجرمة
لم أتمكن أبدًا من أن أكون مجرمةً لفترة طويلة؛ سوف يعتقلني الله ويحاول إعادتي إلى المسار الصحيح. على الرغم من جهوده المتكررة، لم أكن أعيش من أجله. لقد احتفظتُ بالله دائمًا، على الرغمُ من أنني كنتُ أعرف أنه كان هناك. بعد سلسلة من الاعتقالات والافراجات، عُدتُ أخيرًا إلى المنزل نهائيًا في ١٩٩٦. عُدتُ إلى الكنيسة وأخيرًا بدأتُ ببناء علاقة حقيقية وصادقة مع يسوع. بدأتْ الكنيسة رويدًا رويدًا تُصبح حياتي؛ لم أحظى حقًا بهذا النوع من العلاقة مع يسوع من قبل.
لم أستطع الحصول على ما يكفي من ذلك لأنني بدأتُ أرى أنه ليس الأشياء التي قمت بها ولكن مَن أنا في المسيح الذي سيبقيني على هذا الطريق. لكن، حدث التحويل الحقيقي مع “الجسور إلى الحياة”*.
كيف لا؟
على الرغم من أنني لم أشارك في البرنامج كمجرمة، إلا أن قدرتي على المساعدة في تلك المجموعات الصغيرة كانت نعمة لم أتوقعها؛ وهي نعمة من شأنها أن تغير حياتي بطرق جميلة. عندما سمعتُ نساء ورجال آخرين يشاركون قصّتهم، نقر شيء بداخلي. وأكّد لي أنني لم أكن الوحيدة وشجعني على الحضور مرارًا وتكرارًا. كنتُ سأشعر بالتّعب الشديد والإرهاق من العمل، لكنني كنتُ أدخل إلى السجون وأستعيدُ نشاطي لأنني كنتُ أعلم أن هذا هو المكان الذي كان من المفترض أن أكون فيه.
“الجسور إلى الحياة” يتكلّم عن تعلّم مُسامحة نفسك؛ لم تساعدني فقط مساعدة الآخرين على أن أصبح كاملةً، بل أيضًا ساعدتني على التعافي…وما زلت أتعافى.
أولاً، كانت والدتي. كانت مصابة بالسرطان، وأحضرتُها إلى المنزل؛ اعتنيتُ بها طيلة فترة بقائها حتى توفيت بسلام في منزلي. في عام ٢٠٠٥، عادَ سرطان والدي، وقدّر الأطباء أنَّهُ لم يتبقَّ له سوى ستة أشهر على الأكثر. أحضرتهُ إلى المنزل أيضًا. قال لي الجميع ألا أستقبلَ هذا الرجل بعد ما فعلهُ بي. سألت: “كيف لا؟” غفرَ لي يسوع، وأشعرُ أن الله يريدُ مني أن أفعل هذا.
لو أنني اخترتُ التمسكَ بالمرارةِ أو الكراهية تجاه والديَّ بسبب الهَجِر والإساءة، لا أعلم ما إذا كانا سيقدّمان حياتهما للرّب. بمجرّد النظر إلى حياتي، أرى كيف استمر يسوع في مُتابعتي ومحاولة مساعدتي. كنت مقاومةً جدًا للشعور بما هو جديد، وكان من السهل جدًا البقاء فيما هو مريح، لكنني مُمتنة ليسوع لأنني تمكنتُ أخيرًا من الاستسلام له تمامًا. إنه مخلّصي، إنه صخرتي، إنه صديقي. لا أستطيع أن أتخيل حياة بدون يسوع.
'كلّنا نتصارع مع الله في وقت أو آخر، ولكن متى نُحقق السلام حقا؟
قالت لي مؤخّرًا صديقة تُكافح: “أنا لا أعرف حتى ما أصلي من أجله.” أرادت أن تُصلّي ولكنها سَئِمت من طلب شيء لن يتحقق. فكرتُ على الفور في طريقة الصلاة الإفخارستية التي وضعها القديس بطرس جوليان إيمارد. وهو يدعونا إلى أن نصمم وقت صلاتنا على غرار النهايات الأربعة للقداس: السُجُود، والشكر، والغُفران، والتوسّل.
طريقة أفضل
الصلاة هي أكثر من الطّلب، ولكن هناك أوقات عندما تكون احتياجاتنا والمخاوف حول أحبائنا ملحّة بحيث لا نفعل شيئا سوى أن نطلب، ونطلب، ونتوسّل، ومن ثم نطلب أكثر. قد نقول: “يا يسوع، أترك هذا بين يديك”، لكن بعد ٣٠ ثانية، نُخرجه من يديه مباشرةً لشرح سبب حاجتنا إليه مرة أخرى. نحن قلقون، مرتبكون، ونفقد النوم. لا نتوقف عن الطلب لفترة كافية لسماع ما قد يحاول الله أن يهمس به لقلوبنا المرهقة. نتصرّف بهذه الطريقة لبعض الوقت، والله يسمح لنا بذلك. إنه ينتظر أن نرهق أنفسنا، لندرك أننا لا نطلب منه مساعدتنا، ولكننا نحاول أن نقول له كيف نعتقد أنه يحتاج إلى مساعدتنا. عندما نتعب من المصارعة ونستسلم أخيرًا، نتعلّم طريقة أفضل للصلاة.
يعلّمنا القديس بولس في رسالته إلى أهل فيليبي، كيف يجب أن نتوجه بطلباتنا إلى الله: “لا تَقلَقوا أبدًا، بَلِ اَطلُبوا حاجَتكُم مِنَ اللهِ بالصّلاةِ والابتِهالِ والحَمدِ. وسَلامُ اللهِ الذي يَفوقُ كُلّ إدراكٍ يَحفَظُ قُلوبَكُم وعُقولَكُم في المَسيحِ يَسوعَ.” (٦:٤-٧)
محاربة الأكاذيب
لماذا نضطرب؟ لماذا نَقلق؟ لأنه، مِثل القديس بطرس، الذي توقف عن النظر إلى يسوع وبدأ يغرق (متى ٢٢:١٤-٢٣)، فإننا أيضًا نغفل عن الحقيقة ونختار الاستماع إلى الأكاذيب. تكمنُ في جذور كل فكر قلق كذبة كبيرة؛ أن الله لن يعتني بي، وأن أي مشكلة تقلقني الآن هي أكبر من الله، وأن الله سيتخلى عني وينساني؛ وأنه ليس لديَ أبًا مُحب بعد كل ذلك.
كيف نحارب هذه الأكاذيب؟ بواسطة الحقيقة.
يُذكّر القديس بيتر جوليان إيمارد أنًهُ “يجب علينا تبسيط عمل أذهاننا من خلال نظرة بسيطة وهادئة لحقائق الله”.
ما هي الحقيقة؟ أحبُّ إجابة القديسة الأم تيريزا: “التواضع هو الحقيقة.” يُخبرنا التعليم المسيحي أن ” التواضع هو أساس الصلاة.” تَرفع الصلاة قلوبنا وعقولنا إلى الله. إنها محادثة، وعلاقة. لا أستطيع أن أكون في علاقة مع شخص لا أعرفه. عندما نبدأ صلاتنا بتواضع، نعترف بحقيقة من هو الله ومن نحن. نُدرك أننا، بمفردنا، لسنا سوى خطيئة وبؤس ولكن الله قد جعلنا أولاده وأنه يمكننا أن نفعل كل شيء بواسطته (فيلبي ٤: ١٣).
إن هذا التواضع، وهذا الحق، هو الذي يقودنا إلى السُجُود أولاً، ثم الشكر، ثم التوبة، وأخيراً التوسّل. إنه التطور الطبيعي لمن يعتمد كليًا على الله. لذلك عندما لا نعلم ماذا نقول لـ لله، دعونا نُمجّدهُ ونحمد اسمه. دعونا نفكر في كل النِّعَم ونشكرهُ على كل ما فعله من أجلنا. سيساعدنا هذا أن نَثِق بأن هذا الله نفسه، الذي كان دائمًا معنا، لا يزال هنا اليوم ودائما من أجلنا خلال الأوقات الجيدة والأوقات الصعبة.
'لقد فقدتُ هاتف “أيفون” الخاص بي منذ عام. في البداية، شعرتُ وكأن أحد أطرافي قد بُتر. لقد امتلكتُ هاتفًا لمدّة ثلاثة عشر عامًا، وكان الأمر بمثابة امتداد لنفسي. في الأيام الأولى، استخدمتُ الـ”أيفون الجديد” كهاتف، ولكن سرعان ما أصبح مُنبّه، آلة حاسبة، الأخبار، الطّقس، الخدمات المصرفيّة، وأكثر من ذلك بكثير، ومن ثمّ ذَهَبَ.
بما أنني كنتُ مُرغمة على التخلّص من السّموم، كان لدي الكثير من المشاكل الملحّة. يجب عليّ الآن كتابة قوائم التسوق الخاصة بي على الورق. تمّ شراء منبّه، وآلة حاسبة. اشتقتُ إلى “البينغ” اليوميّة من الرسائل والصراع على فتحها (والشعور بأنه مرغب بك) .
لكنني كنتُ أشعرُ بالسلام لعدم وجود هذه القطعة المعدنية الصغيرة التي تهيمن على حياتي.
لم أكن أعلم كم كان الجهاز متطلّب ومهيمن حتّى ذَهبَ. لم يتوقّف العالم. كان يجب عليّ أن أتعلّم طرق قديمة جديدة من التفاعل مع العالم، مثل التكلّم مع الناس وجهًا لوجه ووضع خطط للمناسبات. لم أكن في عجلة لاستبداله. في الواقع، أدى زواله إلى ثورة مرحّب بها في حياتي.
بدأتُ اختبار الحدّ الأدنى من الإعلام في حياتي. لا صُحف، لا مجلاّت، لا مذياع، لا تلفاز، أو هاتف. احتفظتُ بـجهاز “أيباد” لرسائل البريد الالكتروني الخاص بالعمل، اخترتُ فيديوهات تطبيق “يوتيوب” لعطلة نهاية الأسبوع، والقليل من صفحات الأخبار المستقلّة. كانت تجربة ولكنها تركتني أشعر بالهدوء والسلام، مما مكنني من استخدام وقتي للصلاة والكتاب المقدّس.
يمكنني الآن التمسك بالله بسهولة أكبر، الذي “هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ.” (عب ١٣: ٨). تَطلُب منا الوصية الأولى وتقول “أحبب الرب إلهك من كل قلبك وعقلك وروحك وأحبب قريبك كنفسك” (مرقس ١٢: ٣٠- ٣١). وأتساءل كيف يمكننا أن نفعل ذلك عندما تكون أذهاننا مشغولة بهواتفنا معظم اليوم!
هل نحب الله حقا بعقولنا؟ روما ٢:١٢ تقول “وَلا تَتَشَبَّهُوا بِهَذَا الْعَالَمِ، بَلْ تَغَيَّرُوا بِتَجْدِيدِ الذِّهْنِ.”
أتحداك أن تمتنع عن وسائل الإعلام، حتى ولو لبعض الوقت وحتى قليلاً. تشعر بهذا الفرق المتغيّر في حياتك. فقط عندما نعطي أنفسنا استراحة سنكون قادرين على حب الرّب إلهنا بعقول متجددة.
'أينما كنت ومهما فعلت، فأنت مدعو بشكل لا رجعة فيه لهذه المهمّة العظيمة في الحياة.
في منتصف الثمانينات، قدّم المخرج الأسترالي بيتر وير أول فيلم أمريكي له، وهو فيلم تشويق ناجح بعنوان ويتنس (الشاهد)، قام ببطولته هاريسون فورد. تدور أحداث الفيلم حول فتى صغير يرى مقتل ضابط شرطة سري على يد زملاء العمل الفاسدين، فيختبئ بعيدًا في مجموعة “الأميش” طلبًا للحماية. وبما أن القصّة انكشفت، يستعيد ما حدث من خلال جمع الأحداث معًا ثم يروي شخصية فورد التي تدعى جون بوك (لاحظ رمزية الإنجيل). الفيلم فيه علامات الشاهد: الشخص يرى، يتذكر، ويحكي.
العودة للماضي
لقد أظهر يسوع نفسه لدائرته الداخلية حتى تصل حقيقة قيامته إلى الجميع من خلالهم. لقد فتح أذهان تلاميذه على سر موته وقيامته قائلاً: “وَأَنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى هذِهِ الأُمُورِ.(لو٢٤: ٤٨). بعد أن رأوه بأعينهم، لم يستطع الرسل أن يظلوا صامتين بشأن هذه التجربة الرائعة.
ما هو صحيح للرسل، صحيح أيضًا بالنسبة لنا لأننا أعضاء في الكنيسة، جسد المسيح الروحي. يسوع وَكّل تلاميذه قائلاً: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.” ( متى ٢٨: ١٩) وكتلاميذ مرسلين، نشهد أن يسوع حيّ. الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها قبول هذه الرسالة بحماس وثبات هي أن نرى بعيون الإيمان أن يسوع قام، وأنه حيّ، وحاضر في داخلنا وبيننا. هذا ما تفعله الشهادة.
في العودة للماضي كيف للمرء أن يرى قيامة المسيح؟ أرشدنا يسوع: “إِنَّ حَبَّةَ الْحِنْطَةِ تَبْقَى وَحِيدَةً إِنْ لَمْ تَقَعْ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ. أَمَّا إِذَا مَاتَتْ، فَإِنَّهَا تُنْتِجُ حَبّاً كَثِيراً. (يوحنا ١٢: ٢٣ – ٢٤) ببساطة، إذا أردنا حقًا أن “نرى” يسوع، وإذا أردنا أن نعرفه بعمق وبشكل شخصي، وإذا أردنا أن نفهمه، فعلينا أن ننظر إلى حبة الحنطة التي تموت في التراب: بمعنى آخر، علينا أن ننظر إلى الصليب.
تمثل علامة الصليب تحولًا جذريًا من المرجعية الذاتية (دراما الأنا) إلى التركيز على المسيح (الدراما الثيوقراطية). فالصليب في حد ذاته لا يمكنه إلا أن يعبّر عن المحبة والخدمة وبذل الذات بلا تحفّظ. فقط من خلال تقديم الذات المُضحيّة من أجل تمجيد الله ومجده وخير الآخرين يمكننا أن نرى المسيح وندخل في المحبة الثالوثية. بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نطعم في “شجرة الحياة” وأن “نرى” يسوع حقًا.
يسوع هو الحياة نفسها. ونحن مجبرون على البحث عن الحياة لأننا مخلوقون على صورة الله. ولهذا السبب ننجذب إلى يسوع؛ لنرى يسوع، ونلتقي به، ونعرفه، ونقع في حبه. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نكون شهودًا فعالين للمسيح القائم من بين الأموات.
البذرة المخفيّة
نحن أيضًا يجب أن نستجيب بشهادة الحياة التي تُبذل في الخدمة، الحياة التي تم تصميمها على طريق يسوع، وهي حياة بذل الذات المضحية من أجل خير الآخرين، متذكرين أن الرّب جاء إلينا بصفتنا خُدام. من الناحية العملية، كيف يمكننا أن نعيش مثل هذه الحياة الجذرية؟ قال يسوع لتلاميذه: “لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا”. (أعمال ١: ٨) فكما فعل الروح القدس، في يوم العنصرة الأول، يحرر قلوبنا المقيدة بالخوف. إنه يتغلب على مقاومتنا لتنفيذ مشيئة أبينا، ويقوينا لنشهد أن يسوع قام، وهو حي، وهو حاضر الآن وإلى الأبد!
كيف يفعل الروح القدس هذا؟ بتجديد قلوبنا، والغفران لخطايانا، وغرس المواهب السبع فينا التي تمكننا من اتباع طريق يسوع.
فقط من خلال صليب البذرة المخفية، الجاهزة للموت، يمكننا حقًا أن “نرى” يسوع وبالتالي نشهد له. فقط من خلال هذا التشابك بين الموت والحياة يمكننا أن نختبر فرح وثمار المحبة التي تتدفق من قلب المسيح القائم من بين الأموات. فقط من خلال قوة الروح نصل إلى ملء الحياة التي وهبنا إياها. لذلك، بينما نحتفل بعيد العنصرة، دعونا نعقد العزم، بهبة الإيمان، على أن نكون شهودًا للرب القائم من بين الأموات وأن نحمل هدايا الفصح من الفرح والسلام إلى الأشخاص الذين نلتقي بهم. هللويا!
'إذا كنت تشعر أنك فقدت كل قيمة وهدف في الحياة، فهذا لك.
خلال الأربعين عامًا التي قضيتها كاهنًا، كانت جنازات الأشخاص الذين انتحروا هي الأصعب على الإطلاق. وهذا ليس مجرد بيان عام، فقد فقدت مؤخرًا، في عائلتي، شابًا عمره ١٨ عامًا فقط انتحر، بسبب أحداث مؤسفة في حياته.
ومع تزايد معدلات الانتحار هذه الأيام، تشمل الإجراءات المتخذة الأدوية والعلاجات النفسية وحتى علاج الأنظمة الأسرية. ومع ذلك، من بين الأشياء الكثيرة التي يتم الحديث عنها غالبًا، هناك شيء لم يتم التحدث عنه بشكل كافٍ وهو العلاج الروحي. قد تكون إحدى القضايا النفسية والفلسفية الأساسية وراء الاكتئاب، وحتى الانتحار، هي الافتقار إلى المعنى الروحي والغرض من الحياة؛ الاعتقاد بأن حياتنا بها أمل وقيمة.
حب الأب
إن محبة الله أبينا، مرساة حياتنا، تُخرجنا من أماكن الوحدة المظلمة تلك. بل إنني أزعم أنه من بين جميع الهدايا التي قدمها لنا يسوع المسيح (يا إلهي، هناك الكثير)، فإن الأفضل والأكثر قيمة هو أن يسوع جعل أباه، أبانا.
كشف يسوع عن الله كوالد مُحبّ يحب أولاده ويهتم بهم بعمق. وتؤكد لنا هذه المعرفة بثلاث طرق خاصة:
١. معرفة من أنت
أنت لست وظيفتك، أو رقم الضمان الاجتماعي الخاص بك، أو رقم رخصة القيادة الخاصة بك، أو مجرد عاشق مرفوض. أنت ابن الله، مخلوق على صورة الله ومثاله. أنت حقًا من عمل يديه. هذه هي هويتنا، وهذا هو ما نحن عليه في الله.
٢. الله يعطينا الهدف
في الله، ندرك سبب وجودنا هنا؛ هناك خطة وهدف وهيكل للحياة التي أعطانا الله إياها. لقد خلقنا الله لهدف في هذا العالم ؛ أن نعرفه ونحبه ونخدمه.
٣. لديك قدر
ليس مقدرًا لنا أن نكون في هذا العالم، بل أن نكون مع أبينا إلى الأبد ونتلقى محبته التي لا تَنفذ. تدعونا معرفة الآب باعتباره مصدر المحبة إلى قبول الحياة التي يريد الله لنا أن نحظى بها، واحترامها ومنحها. إنه يلهمنا أن ننمو بمعنى هويتنا – طيبتنا، وتفردنا، وجمالنا.
محبة الآب هي محبة راسخة: “هذه هي المحبة: ليس أننا أحببنا الله، بل أنه هو أحبّنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا”. (١ يوحنا ٤: ١٠)
محبة الله لا تأخذ في الاعتبار حقيقة أننا مثاليون كل يوم، أو أننا لا نشعر بالاكتئاب أو الإحباط أبدًا. إن حقيقة أن الله قد أحبنا وأرسل ابنه كذبيحة عن خطايانا هي تشجيع يمكن أن يساعدنا في مواجهة ظلمة الاكتئاب. الله، في جوهره، ليس قاضيًا يدين، بل والد مُحبّ. هذه المعرفة، أن الله أحبّنا ويعتز بنا بغض النظر عما يفعله أي شخص من حولنا، تثبتنا.
وهذا هو في الواقع أعظم حاجة إنسانية لدينا. نحنُ جميعًا وحيدون بعض الشيء؛ نحنُ جميعًا نبحثُ ونسعى إلى شيء لا يستطيع هذا العالم أن يمنحنا إيّاه. اجلس ساكنًا في النظرة المُحبّة لإلهنا كل يوم واسمح لـ لله أن يحبك. تخيل أن الله يعانقك ويرعاك ويطرد خوفك وقلقك وهمّك. دع محبة الله الآب تتدفق عبر كل خلية وعضلة ونسيج. دعها تطرد الظلام والخوف في حياتك.
لن يكون العالم أبدًا مكانًا مثاليًا، لذلك نحتاج أن ندعو الله ليملأنا برجائه. إذا كنت تعاني اليوم، تواصل مع صديق ودع صديقك يكون يدي الله وعينيه، يحتضنك ويحبك. لقد كانت هناك عدة مرات خلال ٧٢ عامًا من عمري حيث تواصلتُ مع الأصدقاء الذين احتضنوني ورعوني وعلموني.
اجلس راضيًا في حضرة الله كطفلٍ في حضنِ أمهِ حتى يتعلّم جسدكَ حقيقة أنك ابن الله الثمين والجميل، وأن لحياتك قيمة وهدف ومعنى واتجاه. دع الله يتدفق في حياتك.
'سؤال: يقول أصدقائي البروتستانت إن الكاثوليك يعتقدون أننا بحاجة إلى كسب خلاصنا. يقولون أن الخلاص هو بالإيمان وحده، وأننا لا نستطيع أن نضيف إلى أي شيء فعله يسوع من أجلنا على الصليب. ولكن أليس علينا أن نقوم بالأعمال الصالحة للوصول إلى الجنة؟
جواب: هذا سوء فهم كبير جداً لكل من البروتستانت والكاثوليك. قد يبدو الأمر وكأنه تفاصيل لاهوتية، لكن له في الواقع نتيجة كبيرة في حياتنا الروحية. الحقيقة هي: أننا نخلص بالإيمان الحي – إيماننا بيسوع المسيح الذي يحيا في كلماتنا وأفعالنا.
يجب أن نكون واضحين: نحن لسنا بحاجة إلى أن نكسب خلاصنا، كما لو كان الخلاص بمثابة جائزة إذا وصلنا إلى مستوى معين من الأعمال الصالحة. تأمل هذا: من هو أول من خلص؟ وفقاً ليسوع، كان هذا هو اللص الصالح. وبينما كان يُصلب بحق بسبب أفعاله الشريرة، صرخ إلى يسوع طالبًا الرحمة، ووعده الرب: “الحق أقول لك، أنك اليوم تكون معي في الفردوس”. (لوقا ٢٣:٤٣) لذا، فإن الخلاص يتكون من الإيمان الجذري، والثقة، والاستسلام لما فعله يسوع على الصليب لشراء الرحمة.
لماذا هذا مهم؟ لأن العديد من الكاثوليك يعتقدون أن كل ما يتعين علينا فعله لننال الخلاص هو “أن نكون أشخاصًا صالحين” – حتى لو لم يكن لدى الشخص علاقة حية مع الرب. لا أستطيع أن أخبركم كم من الناس يقولون لي شيئًا مثل: “أوه، عمي لم يذهب أبدًا إلى القداس أو يصلي، لكنه كان رجلاً لطيفًا فعل الكثير من الأشياء الجيدة في حياته، لذلك أعلم أنه في الجنة. ” بينما نأمل بالتأكيد أن يخلص العم برحمة الله، فإن لطفنا أو أعمالنا الصالحة ليست هي التي تخلصنا، بل موت يسوع الخلاصي على الصليب.
ماذا سيحدث لو حوكم مجرم على جريمة فقال للقاضي: حضرة القاضي أنا ارتكبت الجريمة، لكن انظر إلى كل الأشياء الجيدة الأخرى التي فعلتها في حياتي! هل سيتركه القاضي؟ لا، فلا يزال يتعين عليه دفع ثمن الجريمة التي ارتكبها. وبالمثل، كان لخطايانا ثمن، وكان على يسوع المسيح أن يدفع ثمنها. إن سداد دين الخطية هذا يطبق على نفوسنا بالإيمان.
لكن الإيمان ليس مجرد تمرين فكري. يجب أن تعيش. وكما كتب القديس يعقوب: “الإيمان بدون أعمال ميت” (٢: ٢٤). لا يكفي أن نقول فقط: “حسنًا، أنا أؤمن بيسوع، لذا أستطيع الآن أن أخطئ بقدر ما أريد.” على العكس من ذلك، لأنه على وجه التحديد قد غُفر لنا وأصبحنا ورثة للمملكة، فيجب علينا أن نتصرف مثل ورثة المملكة، مثل أبناء وبنات الملك.
وهذا يختلف تمامًا عن محاولة كسب خلاصنا. نحن لا نقوم بالأعمال الصالحة لأننا نأمل أن يُغفر لنا – بل نقوم بالأعمال الصالحة لأنه قد غفر لنا بالفعل. إن أعمالنا الصالحة علامة على أن مغفرته حية وفعالة في حياتنا. ففي نهاية المطاف، يقول لنا يسوع: “إذا كنت تحبني، فاحفظ وصاياي”. (يوحنا ١٤:١٥) فإذا أحب الزوج زوجته، فإنه يبحث عن طرق ملموسة لمباركتها — تقديم الزهور لها، غسل الأطباق، كتابة رسالة حب لها. لم يكن ليقول أبدًا: “حسنًا، نحن متزوجان، وهي تعلم أنني أحبها، لذا أستطيع الآن أن أفعل ما أريد”. وبالمثل، فإن النفس التي عرفت محبة يسوع الرحيمة سوف ترغب بطبيعة الحال في إرضائه.
لذا، للإجابة على سؤالك، فإن الكاثوليك والبروتستانت في الواقع أقرب كثيرًا فيما يتعلق بهذه القضية مما يعرفون! كلانا يؤمن بأننا خلصنا بالإيمان – بالإيمان الحي، الذي يتم التعبير عنه في حياة الأعمال الصالحة كعلامة شكر على هبة الخلاص المجانية السخية التي نالها المسيح لنا على الصليب.
'كم مرة نفكر في عدم حصولنا على الوقت الكافي للقيام بالأشياء التي نحبها؟ في هذا العام الجديد، دعونا نحدث فرقا.
لم أكن أبدًا الشخص الذي يتخذ قرارات السنة الجديدة. أتذكر هذا عندما أنظر إلى كومة الكتب غير المقروءة التي يجمعها الغبار على مكتبي، والتي اشتريتها في السنوات السابقة في محاولة طموحة لكنها فاشلة بائسة. تحول كتاب في الشهر إلى كومة من النوايا غير المقروءة. كان لدي مليون سبب لعدم نجاحي في اتخاذ القرار، لكن ضيق الوقت لم يكن واحدًا منها.
إذا نظرنا الآن إلى السنوات الضائعة مع خيبة أمل طفيفة في نفسي، أدرك أنه كان بإمكاني حقًا الاستفادة من وقتي بشكل أفضل. كم مرة في حياتي اشتكيت من عدم وجود الوقت الكافي للقيام بالأشياء التي أريدها؟ بالتأكيد، أكثر مما أستطيع عده!
قبل بضع سنوات، كنت أجلس بجوار زوجي في المستشفى ليلة رأس السنة بينما كان يتلقى علاجه الروتيني، وهو أمر لامس قلبي. عندما لاحظته وهو متعلق بشكل غير مريح بالحقن في الوريد، لاحظت أن عينيه كانتا مغمضتين ويداه مطويتان في الصلاة. من الواضح أنه شعر بنظرتي المتسائلة، ففتح إحدى عينيه قليلاً، وبينما كان ينظر إلي، همس بهدوء: “الجميع”.
بطريقةٍ ما، قرأ أفكاري. كثيرًا ما نصلي من أجل من حولنا ممن نراهم متألمين أو بحاجة إلى الدعاء، لكن اليوم كنا نجلس وحدنا، وكنت في حيرة من الذي كان يصلي من أجله. لقد كان مؤثرًا وملهمًا الاعتقاد بأنه كان يصلي من أجل “الجميع” وليس فقط أولئك الذين نفترض أنهم يستطيعون استخدام الصلاة بسبب مظهرهم الخارجي.
الجميع – كل واحد منا يحتاج إلى الصلاة. نحن جميعًا بحاجة إلى نعمة الله ورحمته بغض النظر عن الصورة التي نعرضها للعالم. يبدو هذا صحيحًا، خاصة الآن حيث يعاني الكثير من الناس بصمت من الوحدة، والمشاكل المالية، وحتى صراعات الصحة العقلية التي غالبًا ما تكون مخفية.
لا أحد يعرف حقًا ما يمر به شخص آخر، أو مر به، أو سوف يمر به. ما مدى قوة الأمر إذا صلينا جميعًا من أجل بعضنا البعض؟ كيف يمكن أن تغير الحياة، وتغير العالم. لذلك في هذا العام الجديد، أنا عازم على استخدام وقت فراغي بحكمة وتفكير أكثر – مع الأخذ في الاعتبار معاناة واحتياجات الآخرين، أولئك الآخرين الذين أعرفهم، وأولئك الذين لا أعرفهم، وأولئك الذين سبقوني، وأولئك الذين سبقوني، وأولئك الذين الذي سيأتي بعد فترة طويلة.
سأصلي من أجل البشرية جمعاء، واثقًا من أن إلهنا العزيز، برحمته الوفيرة ومحبته التي لا تقاس، سوف يباركنا جميعًا.