Home/يواجه .. ينجز/Article

أكتوبر 29, 2019 2016 0 Reshma Thomas, India
يواجه .. ينجز

مكسور من أجلك

تمنَّ أمنية

عندما كنت صغيراً كنت أشتهي القربان المقدّس، ولكنّي كنت أعتقد أنّه يعطى للبالغين فقط. أتذكّر الآن هذه الحادثة، وأعتقد أنّي كنت محقّاً. بعد حوالي ستّ سنوات، سرت في ممشى الكنيسة لابساً ثوباً أبيض نقيًّا، لاستقبال يسوع في السرّ المقدّس. هل شعرت بحلاوة؟ أتمنّى لو  أنّي استطيع أن أروي ما روته القديسة تريزيا الطفل يسوع في سيرتها الذاتية “قصة نفس” الّتي تتحدّث فيها كيف تاهت في بحر حبّ الرب. بالإيمان اعتقدت أنّ يسوع دخل الى قلبي، وكان ذلك اليوم مليئًا بالنِّعمة، لكنّ مثل القدّيسين الذين تركوا وراءهم ذكريات، لم أستطع أن أدرك بحواسّي حلاوة أو نشوة استقبال يسوع.

بعد عدّة سنوات، وحين كنت أدرس في الكليّة، كانت توجد هناك كنيسة صغيرة في وسط الحرم الجامعي. كنّا نحتفل فيها بالقدّاس اليومي والسّجود الأسبوعي. ذات مرّة وبينما كنت ساجدة أمام القربان المقدس، تساءلت إن كان كلّ ذلك صحيح حقًّا. هل يسوع حاضر حقًا في السرّ المبارك؟ لقد وجدت العديد من قصص الحياة الواقعيّة حول معجزات القربان المقدس، الذي يتحوّل إلى جسد يسوع ودمه. فكّرت كثيراً في كيفيّة تصديق ذلك. بدأت أتمنّى لو كان بإمكاني رؤية شعاع صغير من ذلك النور.

نظرة عميقة

ذات يوم، وأثناء تناولي القربان المقدس، شعرت شعور اللامبالاة نفسه، وركعت لأصلي. عندما أغمضت عيني، رأيت جرحًا مؤلمًا للغاية. كان الجلد أصفر باهتًا مع جرح عميق حديث ، وأحسّ بالرّعشة كلّما تذكّرت ذلك. كنت أعرف أنّ هذا لم يكن فكري أو حتى  مجرّد تخيّل. أدركت بعدها كم جرحت عزيزي يسوع بالكفر وعدم الثقة. من ذلك الحين، سرت سيرة المؤمن الذي لا تهمّه الرّؤى، ولم أعد أتجرّأ على إيذائه.

في وقت لاحق، وخلال رياضة روحيّة ، كنت حينها عضوًا في فريق الشفاعة، الذي أعطاني وقتًا كافياً لأكون في حضرة القربان المقدس. عندما جلست هناك لعدّة ساعات، بدأت أشعر بسلام وعزاء كبيرين. شعرت كما لو كنت بالفعل في الجنّة، والغبطة الّتي ملأت قلبي، لا يمكن مقارنتها بأيّ نجاح أو شهرة يقدّمها هذا العالم. كان الأمر كما لو كنت أطفو بغبطة خفيفًا كالرّيشة. من دون كلمة واحدة، فهمت كلّ شيء وعرفت أن حبّ الله يتجاوز الكلمات. إنّه يحبّنا كثيرًا وكلّ ما يمكنني فعله هو أن أبادله الحبّ ذاته من خلال إعطاء نفسي بكلّ تواضع دون أيّ تحفظ.

مكسور القلب

أثناء المناولة المقدسة  قبل عدّة سنوات، صادف أن كنت من بين آخر المتقدّمين للمناولة. وقبل أن جاء دوري في المناولة، رأيت الكاهن حائراً (بسبب قلّة القربان في الكأس). كان هناك عدد قليل من الناس ورائي. أخذ الكاهن القربان وكسره داخل الكأس. ومن دون أن أفكّر حتّى، تضايقت من صوت كسر القربان. كان قلبي ينبض بقوّة أثناء استعدادي لاستقباله. رفع الكاهن ربع القربانة، وهتف هذه الكلمات المألوفة: “جسد المسيح ودمه”.  وفيما كنت متوجّهاً إلى مقعدي، لم أتمكّن من كفّ دموعي: جسد يسوع يكسر من أجلي.

في الواقع، إنّ جسد يسوع يكسر كلّ يوم لأجلنا خلال القداس، ولكن لماذا؟  إنّنا نلجأ في كثير من الأحيان إلى الصلاة من أجل تلبية احتياجاتنا اليوميّة: وظيفة أفضل، العثور على شخص مناسب للارتباط به، شقّة أو منزل أفضل لتربية اطفالنا، دفع الفواتير، والشّفاء من الأمراض المختلفة وهلمّ جرّا.

هل هذا هو السّبب الذي دفع  يسوع  ليموت على الصّليب لأجلنا؟ كلّ هذه النّعم وغيرها حصل عليها البشر بوفرة حتى قبل زمن يسوع. في العهد القديم، نرى الله  كيف أفاض نعمه الكثيرة، في الصحّة الجيّدة والأطفال والأسرة والثّروة والازدهار، على شعبه المختار. منحنا الله هذه المواهب، ولم يسبّب له ذلك أيّ ألم. أعطى بفرح لمن يحبّونه.

هناك هديّة واحدة – هي الأثمن في عطاياه – والّتي يرغب الله حقًا في أن يقدّمها لنا. لمنحنا هذه الهديّة، كان على يسوع أن يمرّ بالألم في حياته.

لماذا ا؟

وُلِد في بيت لحم، ووضع في مذود – مكان إطعام للحيوانات- في البرد القارس. لماذا كان الطّفل المولود حديثاً ملفوفًا بالأقمطة فقط ؟

أثناء الهروب إلى مصر،  كان الطفل يسوع يرتجف من الرِّياح الباردة المرعبة، بينما كان يتمسّك بأمّه العزيزة. لماذا عاش الطّفل هذه المحنة؟

حتّى عمر الثلاثين عامًا، عاش يسوع حياة عاديّة كنجّار، معتمدًاعلى الأجور الضّئيلة الّتي كان حصل عليها مقابل العمل. لماذا؟

لمدّة ثلاث سنوات، لماذا كان يسوع يعظ بملكوت الله، ويشفي ويحسن لجميع الّذين من حوله؟

على الرّغم من أنّه كان لطيفًا مع الجميع، نعت بالمجدّف، وبالمجنون، وصديق الخطأة والبغايا. لماذا؟

في بستان الزيتون، بينما كان يسوع راكعاً ودموعه تنهمر كالدّم ، صرخ قائلا : “يا أبتِ ، إن شئت أبعد عنّي هذه الكأس؛ ولكن لتكن مشيئتك لا مشيئتي”.

تمّ الحكم عليه ظلمًا من قبل ثلاثة قضاة، وكان في زهرة شبابه، تعذّب ، وشتم، بصق عليه وضرب، ورضخ لضروب من التّعذيب لم يسمع بها من قبل. لماذا؟

توّج بالشّوك، وسُحِق بالضّربات وغيرها من ألوان الغضب. لماذا؟

تمّ تسمير يديه وساقيه المقدّستين على الصّليب، ضربة بعد ضربة، ولم يجدوا يسوع في حالة تثيرالحزن بما يكفي لإرضاء غضبهم، وزادوا من جراحه ، مضيفين الألم فوق الألم. لقد تحمّل كلّ هذا، ولكن لماذا؟

من رأسه إلى أخمص قدميه، لم تسلم بقعة واحدة من جسده من التّعذيب، فلماذا صرخ يسوع: “يا أبتِ، سامحهم لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون؟”

أمّ حزينة شاهدت ابنها يتعرّض للاضطهاد والصّلب، ويموت معذّبًا ولكنّها لم تشتكي أبدًا. لماذا؟

في معاناته الأخيرة، لماذا تألّم يسوع بما يتجاوز الخيال البشري، ومزّق جسده، ومن حزنه: صرخ، “يا أبتِ، بين يديك أسلم روحي!”

طعن جنديّ جنبه بحربة، فتدفّق الدّم والماء حتّى لم يبق هناك قطرة واحدة في جسمه. فلماذا دُفع إليه خلّ ومرّ، وهو مرفوع على قمّة الصليب ، وتمّ سحق جسده الرّقيق ؟

أعظم هدية

لقد أعطى يسوع نفسه الجواب عن كلّ ما عاناه ، من الحَبل به إلى أعلى الصّليب. في اللّيل، وقبل أن يُسلم يسوع، غسل أقدام الرّسل. خلال العشاء الأخير، “أخذ الخبز، وبعد الشّكر، كسره وأعطاهم ، قائلاً ،” هذا هو جسدي الذي يبذل من أجلكم. إفعلوا هذا لذكري. “ثمّ أخذ الكأس قائلاً: ” هذه الكأس التي تهرق من أجلكم هي العهد الجديد بدمي “(لوقا 22: 19-20).

واليوم يقدّم لك أثمن هديّة عنده – جسده ودمه في القربان المقدس. كلّ احتفال بالقدّاس هو دعوة لقبول هذه الهديّة الثّمينة الّتي أعطانا إيّاها الآب – إبنه الحبيب العزيز. مثل طائر البجع، فالأمّ عندما تواجه الجوع ، تجرح نفسها بضرب صدرها لإطعام صغارها من دمها، وكذلك يطعمنا يسوع جسده ويسقينا دمه في السرّ المقدس. لقد عانى يسوع كثيرًا ؛ لقد عذّب ليشفينا من عذاباتنا، وليمنحنا الحياة الجديدة.

يسوع ينتظرك اليوم. إنّه يتوق إلى أن تستقبله في قلبك.”تذوّق وانظر، لأنّ طعم يسوع أحلى من العسل “. ألا تقبل هذه الهديّة الثمينة من الله من كلّ قلبك؟

 أيّها المخلّص الإلهي، نأتي إلى طاولتك المقدّسة لنغذّي أنفسنا، ليس من الخبز ولكن منك أنت، الخبز الحقيقيّ للحياة الأبدية. ساعدنا يوميًّا لنصنع وجبة جيّدة ومثاليّة من هذا الطعام الإلهي. دعنا ننتعش باستمرار من عطر لطفك وخيرك. فليملأنا الرّوح القدس من حبّه. في هذه الأثناء، دعونا نعدّ مكانًا لهذا الطّعام المقدّس عن طريق إفراغ قلوبنا. آمين.

صلاة قبل التّناول بقلم  القديس سانت فرانسيس دي ساليس

ريشما توماس

Share:

Reshma Thomas

Reshma Thomas is a wife and mother of four wonderful children. She finds great joy in doing little works for Jesus, and making known his merciful love revealed through her life-experiences. She lives with her family in Kerala, India.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Latest Articles