Home/جذب/Article

أبريل 03, 2019 2467 0 David Torkington
جذب

كانت أمي كاهنة

لقد اصبنا بصدمة عندما أعلن أخي أنه يريد أن يصبح كاهناً. فهو لم يُرِد أن يصبح مجرد كاهن، بل أراد أن يصبح كاهناً في رهبانية ال “سسترسن” (طائفة متشددة) وهذا يعني أنه بمجرد مغادرته للمنزل فإنه لن يعود أبداً.

إنهارت أمي تماماً. فهي كانت فخورة جداً لأنه أراد أن يصبح كاهناً، فلماذا أراد أن يصبح راهباً أيضاً؟ لم تعرف حينها ما يجب فعله ، ولكنها لحسن الحظ، كانت تعرف إلى من تذهب. فذهبت إلى “جَس”، صديق الطفولة، وهو نفسه كان قد ترك المنزل ليصبح قساً وراهباً. وكان في ذلك الوقت رئيساً للدير.

معنى الأمومة:

أخبرها جس: “إن الأم تحقق أمومتها ًعندما يكون حبها عظيماً لدرجة تسمح فيها لطفلها أن يختار ويتبع طريقه في الحياة بغض النظر عن ما يعنيه هذا”. أخبرها أن هذه هي التضحية التي قامت بها مريم العذراء عندما سمحت للابن الذي ولدته أن يسير في طريقه الخاص ويتبع الطريق الذي دُعي إليه.

شعرت أمي بتحسن كبير بعدما  تحدثت مع جس، أو مع الأب وليامز كما كان يدعى حينها. ففي نهاية الأمر، كان هو نفسه كاهناً وراهباً قادراً أن يُشير عليها ويشجعها أفضل من أي شخص آخر. وعلى الرغم أن أخي قد قُبل كراهب في جبل سان بيرنارد، إلا أن رئيس الدير طلب منه أن ينهي دراسته جامعة السوربون في باريس . وبطبيعة الحال فرح أخي حين تم قبوله، لأنه كان يعتقد أن إعاقته يمكن أن تمنعه من أن يصبح كاهناً. (فقد كانت أحدى رجليه أقصر من الأخرى نتيجة لإصابته بشلل الأطفال عندما كان في السادسة من عمره).

حادثة بشعة

لسوء الحظ تعرض أخي لحادثة بشعة عندما كان في طريقه لآجراء الإمتحانات النهائية، وكان السبب المسند الحديدي المُثَبت في رجله. فقد سقط على السلم المتحرك في المترو وصدم رأسه ومات في الحال. لقد كان فقط في الثانية والعشرين من عمره. كنت حينها في السابعة عشرة من عمري. لقد استدعوني خارج الصف ليخبروني بالمأساة. وعندما وصلت الى المنزل وجدت أمي مستاءة ولا تقبل التعزية من أحد. لقد قبلت بالفعل التضحية عندما اختار أبنها أن يصبح راهباً ، والآن مطلوب منها أن تقدم تضحية أخرى أكثر كمالاً، تضحية نهائية لم تظن للحظة أنه يمكن أن تُطلب منها. ومرة أخرى عادت إلى الأب وليامز من أجل مساعدة روحية.

مثل مريم، أصبحت أمي كاهنة

أخبرها الأب وليامز بأن المطلوب منها  الان أن تصبح هي الكاهن بدلاً من ابنها. وقال لها أن مريم العذراء قد أصبحت كاهناً وأعظم ذبيحة قدمتها كانت ذبيحة ابنها. تمحورت حياة مريم كلها حول بذل نفسها من أجل الابن الغالي الذي ولدته. كان كل شيء لأجله، وفي النهاية، كان يجب عليها أن تعطي كل شيء حتى هذا الآبن نفسه. كانت هذه أكمل وأعظم ذبيحة (تضحية) قامت بها أم، قدمتها هي بنفسها بينما كانت تقف بجانب الصليب. لم تنسى أمي أبداً ما قاله لها جس؛ فلم ينزع هذا عنها الألم تماماً ولكن أعطاه معنى فأصبح محتملاً. وما ساعدها كثيراً هو فهمها أن التضحية التي قامت بها تشبه تماماً التضحية التي قدمتها العذراء مريم في الجلجثة.

درس تعلمته من أمي

هناك فقط كاهناً واحداً حقيقياً، يسوع المسيح. الذي قدم الذبيحة الكاملة التي لا يمكن لأي شخص آخر أن يقدمها، ذبيحة نفسه. ونحن نكون كهنة، بقدر ما نتشارك مع يسوع في كهنوته. ففي حياته كلها، قدم ذاته بلا شروط للآب ولأجل خدمة الناس الذين  من اجلهم أرسله الآب. نحن نشاركه كهنوته عندما نقدم ذواتنا إلى الآب فيه، معه ومن خلاله ونقدم أنفسنا إلى نفس العائلة البشرية التي جاء هو ليخدمها.

هذا ما استطاعت أمي أن تراه وتفهمه بوضوح أكثر من أي شخص آخر. ليس فقط ما فكرت فيه ولكن أيضاً الطريقة التي تصرفت بها. لقد كان درساً وجب عليها أن تتعلمه في أكثر لحظة مؤلمة في حياتها، عندما اضطرت أن تشارك في ذبيحة المسيح تماماً مثل مريم العذراء. الدروس التي نتعلمها في لحظات كهذه لا يمكننا نسيانها أبداً. فهي تصبغ ذاكرتنا نهائيا وتحدد طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا لبقية حياتنا، إما للافضل أو للاسوأ. وفي حالة أمي كان للأفضل وليس للأسوأ كما لو حصل مع مريم العذراء.

فبالنسبة إلى كل منهما كان يعني هذا ،تنقية وتعميق أمومتهما هذه بطريقة ما لفائدة أطفال آخرين ينظرون إليهما طالبين محبة ألام، تلك التي تعطى دائماً بلا حساب. وأنا أعرف هذا لأني اختبرت ذلك بنفسي، ومازلت اختبره حتى الآن. كلما انظر إلى الماضي فإن تضحيات أمي الرائعة هي ما يبرز في ذاكرتي، فكلما تأملت فيها أكثر؛ كلما رأيت أن حياتها بالكامل كانت تضحية شخصية مستمرة لأجل عائلتها، تماماً مثلما كانت حياة مريم العذراء. فكل لحظة من يومها وحياتها كانت لأجل أطفالها ، وبطرق مختلفة استطاعت أن تمارس كهنوتها كما فعلت مريم العذراء في حياتها على الأرض. فلا عجب  اذا أراد أبناؤها الثلاثة أن يصبحوا كهنة لأنهم كانوا يعيشون حياتهم كلها مع كاهن عظيم.

الأنانية والتضحية

عندما تذهب العائلة إلى القداس معاً كل أحد كانوا يرون أمي مأخوذة تماماً فيما اعتبروه كأمر مسلَّم به بسهولة. كانت أنانيتهم تعني أن لديهم القليل جدا ليقدموه للآخرين، في حين كانت هي تقدم آلاف التضحيات لأجلهم خلال الأسبوع السابق. كان هذا يعني أن أمي قد نالت بمقدار عطائها؛ فنحن ننال في العطاء. بل إنها قد نالت بفيض أكثر بكثير كل أسبوع. وقد أعطاها هذا المعونة والقوة التي تحتاجها لتستمر في العطاء كل أسبوع وتستمر في التضحية لأجل الأمور التي أخدتها عائلتها كأمر مسلَّم به.

فبدون أي تعليم لاهوتي رسمي اكتشفت أمي بنفسها أن القداس ليس مجرد ذبيحة بل هو المكان حيث نقدم ذواتنا في، مع ومن خلال المسيح إلى الآب. وهو أيضاً وجبة مقدسة حيث نأخذ، من الله الذي قدمنا إليه ذبائحنا، المحبة التي يسكبها بلا حدود على، وفي كل مَن هو مفتوح لإستقبالها.

كانت الأمومة بالنسبة لها، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الأمهات الأخريات المضحيات والباذلات أنفسهن، طريقة للمشاركة في السر المركزي لإيماننا. فإن كان موتها اليومي يوحدها مع موت المسيح؛ فهو أيضاً يفتحها لتستقبل المحبة التي أقامته من الموت في يوم القيامة “أول الأسبوع”، مقوياً إياها أن تشارك ما استقبلته مع اسرتها التي أعطت لها كل شيء. فربما لم يصبح الابن الذي كانت تبكيه دائماً كاهنا كما أراد، لكنها أخذت مكانه بل وأكثر. فالكهنوت الذي مارسته لم يلهم أسرتها فقط، بل ألهم عائلات أخرى أيضاً، عائلات مازالت تتأثر مثلي، بالمثال المشرق الذي لم يفقد بريقه أبداً.

موت أخي لم يكن باطلاً

إن موت أخي العزيز لم يكن باطلاً وقد أثَّر فيَّ بشكل عميق. لقد ألهمني كثيرا حتى أنني قضيت حياتي أكتب عنه واستعين به لنشر الروحانية العميقة التي جذبته للحياة الديرية ولكي اقدر بدوري أن الهم بها الآخرين ً. فقد امضيت الكثير حياتي لكي أكتب ثلاثة أعمال روحية كبيرة. والبطل الأساسي في كل عمل هو الناسك “بيتر كالفاي” والذي اعتمد تماماً على شخصية أخي بيتر توركنجتون. من خلال مخيلتي، وبدلاً من الدخول في النظام السسترسي، كما كان يخطط، نقلته ببساطة إلى جزر هيريدس الخارجية (مجموعة من الجزر في الساحل الشمالي الغربي من اسكتلندا) حيث أصبح ناسكاً. وبعدما ازدادت حياته الروحية عمقا ، بدأ بمساعدة الآخرين.

لو اصبح بيتر راهباً لكان اتبع روحانية رهبانية. ولكن عيشه كعلماني ساعده على بناء روحانية علمانية عميقة مبنية على روحانية يسوع نفسه التي عاشها مع تلاميذه، والتي قبلتها الكنيسة الأولى كإرث منهم. وهذا بالطبع يقدم مساعدة خاصة إلى القارئ المعاصر الذي يحاول أن يعيش الحياة المسيحية خارج جدران الدير، مثلك تماماً. إذا كانت هذه الكتب قد ساعدتك، كما ساعدت أكثر من 300000 قارئ على مدار السنوات، فلا موت أخي ولا الروحانية البسيطة التي تعلمناها من أمي كانا عقيمتان اذا.

Share:

David Torkington

David Torkington (www.DavidTorkington.com) is a Spiritual Theologian, Author and Speaker, who specializes in Prayer, Christian Spirituality and Mystical Theology. He was educated at the Franciscan Study Centre, England, and the National Catholic Radio and Television Centre, Hatch End, London, where he was later appointed to the post of Dean of Studies. He was extra mural lecturer in Mystical Theology at the Dominican University in Rome (The Angelicum). In addition to giving Retreats and lecturing all over Europe, he undertook five prolonged lecture tours to Africa, mainly Equatorial Africa, speaking on Prayer and Spirituality to Religious, Monks, Diocesan Priests and lay people. His personal spirituality is predominantly Franciscan, his Mystical Theology Carmelite, all welded together with a solid blend of Benedictine moderation. He has sold over 300,000 books in more than twelve different languages. His most successful book is "Wisdom from the Western Isles," the popular "Peter Calvay Trilogy" (Hermit, Prophet, Mystic) re-edited in one volume in which he teaches the reader how to pray, from the very beginning to what Saint Teresa of Avila calls the Mystical Marriage. He is at present working on his latest book, "Wisdom from the Christian Mystics" which will be followed by his autobiography "Injured Innocence." When not writing, he spends time on his boat on the peaceful Beaulieu river in the New Forest, Hampshire, and exploring the Jurassic coast, Dorset. He is a member of The Athenaeum, Pall Mall, London. The three books mentioned in the article are “Wisdom from the Western Isles, Wisdom from Franciscan Italy” and “Wisdom from the Christian Mystics.” All are available from Amazon.co.uk or Amazon.com or from any bookshop.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Latest Articles